مقابلة صحيفة صندي تايمز مع واحد من كبار الصحفيين الاستقصائيين "مايكل بيلتون"


 البيان نيوز - مايكل بيلتون - هذه هي المقابلة الأحدث في سلسلة مقابلات صحيفة (صندي تايمز) "أسرار الأساتذة" مع محققين استقصائيين كبار.

لقد استغرق العمل على فيلم تسجيلي، ومن ثم على كتابعن مجزرة ماي لاي التي وقعت خلال حرب فيتنام، ثلاث سنوات من حياتي عندما كنت في أوائل الأربعينيات من عمري.
كانت أول مرة ذكر فيها أحد الزملاء الموضوع في الذكرى العشرين للمجزرة التي حدثت في 16 آذار/ مارس، 1968، في قرية صغيرة لا تبعد كثيراً عن كوانغ نجاي. لقد تم قتل خمسمائة مدني أعزل من قِبل مجموعة من الجنود الأميركيين كانوا في مهمة بحث وتدمير. وقد كنت في الثانية والعشرين من عمري عندما تسربت الأخبار في العام 1969.
ولم تطل التداعيات الولايات المتحدة فقط، وإنما العالم بأسره. لقد كانت نقطة تحول واضحة في الحرب. وقد عبّرت أم أميركية لأحد الجنود عن ذلك بشكل رائع عندما قالت إنها أرسلت للجيش الأميركي فتى لطيفاً، وأرسلوا هم إلى الوطن قاتلاً.
بعد وقوع أحداث مهمة، غالباً ما يحتاج الأمر إلى فترة تمتد على الأقل لبضعة عقود قبل أن يكون من الممكن رواية القصة الحقيقية، لذا، فإنه عندما تم التطرق إلى القصة على الغداء في أحد الأيام، كانت تلك إحدى اللحظات النادرة التي وقف فيها شعر الجزء الخلفي من رقبتي. لقد كان ذلك يعني تتبُّع أولئك الذين شاركوا في ذلك، إضافة إلى العثور على ناجين لا يزالون يعيشون في فيتنام. لقد توارى معظم الجنود الذين كانوا في ماي لاي عن الأنظار رغبة منهم في أن لا يُعثَر عليهم.  
كان لا بد أولاً من أن نعرف ماهيّة القصة الحقيقية. لقد كان معظم الناس يذكرون المحاكمة العسكرية لجندي شاب اسمه وليام كالي، العسكري الوحيد الذي أدين، في قضيته المتمثلة’بقتل اثنين وعشرين إنساناً شرقياً.‘ وقد قضى بضعة أشهر فقط في السجن بعد أن استأنف ضد حكم بالسجن مدى الحياة. وتم تخفيض مدة السجن، ومن ثم حصل على إفراج مشروط. وأشار محامي الادعاء إلى أن 100 شخص كانوا قد تعرضوا للقتل في "حادثة" في حين كان الرقم الحقيقي هو مجزرة ذُبح فيها أكثر من خمسمائة مدني.
وكانت هناك كذلك مجموعة من جرائم الحرب المروّعة إلى حد كبير، انطوت على جرائم اغتصاب وسادية جنسية. وبينما كانت سريّة تشارلي منهمكة في القرى الصغيرة حول ماي لاي، كانت سريّة برافو تذبح تسعين شخصاً آخر من القرويين العزَّل على بعد ميل ونصف الميل في كو لوي.
لم يكن هناك إنترنت، لذا فإن كل شيء، من حيث البحث، كان يتطلب مجهوداً شاقاً. لقد استغرق منّا الأمر شهوراً وشهوراً من البحث في وثائق المحكمة، وجَمْع الأسماء، وتسجيل التفاصيل الهامة التي من شأنها أن تتيح لنا، في نهاية المطاف، أن نقتفي أثر كل من كان متورطاً – كانت الأمور الأساسية غالباً بالغة الأهمية – الأسماء الكاملة والدقيقة، وتواريخ الميلاد، وأرقام الضمان الاجتماعي. ومن ثم كان يتعين علينا الذهاب لرؤية هؤلاء الأشخاص، وكان الأمر يتطلب كثيراً الذهاب إلى مدن مثل غلفبورت وجاكسون بولاية ميسيسيبي عدة مرات من أجل العثور على فرد بعينه كنا مهتمين بشدة بالتحدث إليه. لقد تم حذف الكثير من الأسماء في سجلات التحقيق الرسمي للجيش الأميركي (لجنة بيرز) واستبدالها برموز حَرفية تعريفية.
واليوم المادة كلها موجودة على الإنترنت، ويمكن البحث فيها إلكترونياً، إذ يمكنك الآن البحث في وقت واحد في المجلدات الـ31 كلها، والتي تتضمن النصوص الحرفية للأدلة، وذلك باستخدام كلمة بحث دلالية. وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين كان الأمر عبارة عن قضية بحث في ما يقرب من سبعين صندوقاً من الوثائق، وتدوين ملاحظات، هذا بالإضافة إلى مائة ألف صفحة من النصوص للجنة بيرز. لقد احتجنا في البداية إلى فك الرموز لتحديد من يكون كل شخص. وقد حصلنا على مساعدة من مكتب الشؤون العامة في البنتاغون، ولا سيما من دائرة القاضي الاستشاري، ومن كبار الضباط المستنيرين الذين عرفوا قيمة ما كنا نفعله. لقد تتبعنا الملفات الأصلية لمحققي الجيش في فورت هولابيرد بالقرب من بالتيمور، وتم إعطاؤنا صلاحية مطلقة للبحث في ما نشاء.
عندئذ فقط تعرفنا ربما على خمسة وأربعين شخصاً كانوا قد تورطوا فعلياً في عمليات القتل والاغتصاب والاعتداءات الجنسية في ماي لاي. وتم كشف عملية تستر ضخمة من قِبل لجنة بيرز وصلت إلى أصحاب المناصب العليا في فرقة أميركال، ومع ذلك لم يحاكم سوى عدد قليل من الجنود، وكان كالي هو الوحيد الذي أدين.
إلا أنه كانت هنالك كذلك أعمال بطولية وأفعال نبيلة في ذلك اليوم. والقصص التي كان يجب كذلك الإخبار بها كانت لأشخاص مثل هاري ستانلي الذي رفض تنفيذ أوامر بقتل الناس حتى عندما كان هناك مسدس موجه إلى رأسه من قِبل كالي، ورجال مثل هيو تومسون الابن، الذي جازف بحياته وبحياة طاقم طائرته الهليكوبتر من أجل إنقاذ رجال كبار في السن ونساء وأطفال كانوا على وشك أن يُقتلوا رمياً بالرصاص. وقد قاموا بتحويل أسلحتهم الآلية باتجاه كالي ورجاله وهددوا بإطلاق النار إذا لم يتوقفوا عن ارتكاب جرائم القتل. ولكن من هو الذي أصبح فيما بعد النذل بالنسبة لبعض الأشخاص في الكونغرس؟ هيو تومسون. لقد كان متوارياً عن الأنظار في ولاية لويزيانا عندما عثرت عليه، على الرغم من أنه كان شجاعاً في فيتنام وإنساناً جديراً بالاحترام. وكان له اسم أوسط – كلاورز – ولأنني كنت قد دونت ملاحظة بذلك في مكان ما، فقد نجحت في نهاية المطاف بتحديد مكان والدته المسنّة، بواسطة سجلات رخص القيادة، والاتصال من عاصمة ولاية إلى عاصمة ولاية أخرى إلى أن عثرنا على واسطة اتصال. لقد كان له اسم والده ذاته، والذي توفي قبل سبع سنوات، وقد عاش والداه في ولاية تكساس. ولم تغيّر والدة هيو رقم هاتفها بعد وفاة والد هيو، لذا كانوا لا يزالون مدرجين في دليل الهاتف تحت اسم والده. وقامت بتمرير رقم هاتفي إليه، فاتصل بي، وبعد يومين كنا جالسين نتحدث إلى بعضنا البعض. لقد أجهش بالبكاء.  
هناك شخص آخر – فريد ويدمر – كان قد أطلق الرصاص على صبي صغير، كان يعاني من إصابة خطيرة، لينهي مأساته. وعرف في غضون ثوان أنه قد ارتكب خطأ مروعاً، ولا يزال ذلك يؤرقه. وعندما اتصلت به لأول مرة، قال "كنت أنتظر أن أتحدث عن هذا لمدة عشرين سنة." وسافرت جواً إلى مكان إقامته، وجلسنا في الطابق السفلي في حجرة صغيرة لمدة ثماني ساعات متواصلة، بدون انقطاع. لم يكن قد سبق وأن تحدث عن الأمر، ولا حتى إلى زوجته.
وكان هناك أيضاً أشخاص كثيرون آخرون رفضوا أن يشاركوا. لقد تحدثنا إلى قتلة – مثل فيرنادو سيمبسون الذي اعترف بقتل 25 – 30 شخصاً في ذلك اليوم، وسلخ فروة رؤوس أشخاص ونزع أحشائهم. لقد تحطمت حياته بسبب لحظة من الجنون المطبق بعيداً عن الوطن عندما كان في التاسعة عشرة من عمره. وحاول الانتحار عدة مرات، وفي النهاية قتل نفسه بعد سنة من تصويرنا للمقابلة غير العادية معه.
وكانت النتيجة هي فيلم وكتاب أربع ساعات في ماي لاي، الذي لا يزال يُطبَع بعد عشرين سنة، ويستخدَم في كثير من الدورات الدراسية الجامعية وفي الكليات العسكرية في كافة أنحاء العالم. وقد حاز الفيلم على جائزة إيمي في الولايات المتحدة، وعلى جائزة الأكاديمية البريطانية في المملكة المتحدة.
كان التأثير الأهم هو جعل الشباب يركزون على حقائق الحرب والتفكير بها، فالكثير الكثير من الجنود يعودون من أفغانستان والعراق وهم يعانون من صدمة نفسية شديدة – إنها قنبلة موقوتة بانتظار أن تنفجر، والكثيرون ينتحرون لأنهم لا يستطيعون التكيّف مع الوضع.  
ومنحت الحكومة الأميركية هيو تومسون وعضو الطاقم الآخر لاري كولبيرن وسام الجندي عقب نشر كتابنا. وتوفي هيو قبل بضع سنوات، ويبقى لاري واحداً من أصدقائي المقربين. وهناك شيء واحد حققناه، وأنا أفتخر به كثيراً، وهو أننا جمعنا الشخصين معاً بعد فترة عشرين عاماً. لقد كانا يبحثان الواحد عن الآخر طوال تلك الفترة.

ما هو المسار الذي قادك إلى الصحافة الاستقصائية في المقام الأول؟
على غرار معظم الصحفيين، جاء ذلك من كوني مراسلاً في صحيفتي المحلية. وفي حالتي، كان الاكتشاف الذي حدث في العام 1970 لقاذفة قنابل ألمانية تحطمت محلياً خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت قد قتلت ثلاثين طفلاً من المواطنين في إحدى دور السينما عندما ألقت قنابلها. إنه ذلك التسلسل في الأحداث، فعل واحد يمكن أن يكون له أثر على الكثير جداً من الأرواح. لذا أردتُ أن أروي قصة الطائرة التي كان يجري نبش المعلومات عنها، وبدأتُ التحقيق في ما حدث بالضبط من الوقت الذي أقلعت فيه الطائرة إلى الوقت الذي تحطمت فيه.
كان يتعين عليّ أن أفعل ذلك في وقت فراغي، وذلك لأن القصص الإخبارية المحلية كانت تحظى بالأولوية، وكانت هذه قصة خاصة استحوذت على اهتمامي، كما يحدث في معظم التحقيقات. وقد أخذتني إلى مدفن الكنيسة حيث تم دفن أفراد الطاقم، ووجدتُ امرأة كانت تضع بانتظام وروداً على القبور، وذلك لأن ابنها قتِل بإسقاط طائرته فوق ألمانيا، وكانت تأمل أن يكون هناك أحد يفعل الشيء ذاته لابنها. وفي أحد الأيام وصل إكليل من الورد إلى القبر بواسطة الصليب الأحمر، وتمت مساعدة هذه السيدة للاتصال مع والدة أحد أفراد الطاقم في ألمانيا الشرقية. وأرسلت لها صورة لابنها وحصلت على صورة بالمقابل. لم أتوقع أبداً أن أكون قادراً على نشر صورة أحد أفراد طاقم الطائرة عندما بدأت برواية القصة. لقد كان اتباع حدسك درساً جيداً.

ما هي الأساليب والتقنيات والأدوات التي قدمت لك المساعدة الأفضل كصحفي استقصائي؟
كان هناك شيء مكتوب على السبورة عندما كنت طالباً وبقي معي. لقد كان متروكاً هناك من درس الفلسفة السابق، وهو: "السؤال هو: ما هو السؤال؟"   
إنه الخلاصة الأكثر أهمية لما يدور حوله عملنا. ولن تتمكن من الوصول إلى الحقيقة أبداً ما لم تعرف الأسئلة المناسبة التي يجب أن تطرحها. وذلك يعني رمي شبكة واسعة، وأن تصبح خبيراً ثانوياً في الموضوع قبل أن تدرك ما هي القصة التي تريد أن ترويها. إن ذلك يستنفد وقتاً طويلاً، ويتطلب جهدا في العمل، ولهذا السبب لا يهتم، في الواقع، أشخاص أمثالنا بالمال أو الثروات أو الشهرة أو المجد.   
أستمتعُ بالعمل بين الفينة والأخرى في مجموعات، وأحد الأشياء الأكثر إرضاء التي حدثت مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) كان بشأن مشروع الأضرار الجانبية عندما نظّم نات هيلر مؤتمراً إقليمياً صغيراً للأعضاء الأوروبيين الذين كانوا مهتمين في التسليم والتعذيب غير العاديين بعد 11/9. لقد كان هناك خمسة منّا فقط مجتمعون في بروكسل، بمن في ذلك بول رادو و ليو سيستي. وكان تبادل البيانات والأفكار مفيدا جداً – لقد جسّد ما يمثله الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.
ولكنني في الغالب أعمل لوحدي، وقد فعلت ذلك لما يقرب من 40 سنة. مكتبات الجامعات، والأرشيفات، والصحف المصورة على شكل أفلام مصغرة (مايكروفيلم)، وسجلات الشركات، جميعها تجعلك تطور مهارة لإدراك أين يجب أن تكون قادراً على العثور على مواد/وثائق مفيدة.
أولاً وقبل كل شيء الآن يجب البدء بكل شيء مكتوب عن الموضوع، لا سيما الروايات الحديثة، ومعرفة من المتورطون، وما هي المنظمات التي يعملون لصالحها. توجد لدي مكتبة من الكتب كبيرة نوعاً ما، ومجلات معلومات عامة، أي: أشتري من هو (Who’s Who) كل خمس سنوات، وتقاويم مختلفة، أشياء من هذا القبيل تمكّنني من البدء عندما أتولى إجراء بحث أساسي.  
ويجري تحويل الملاحظات المأخوذة من القراءة إلى قاعدة بيانات محوسبة، من النوع الذي بدأت به قبل عدة سنوات بأول جهاز لي من آبل ماك عندما كنت أعمل على موضوع ماي لاي. يجب أن تكون قادراً على معالجة المعلومات التي تجمعها وتنظيمها، بحيث يمكنك استخراجها في وقت لاحق. إنني أقوم بإنشاء الكثير من ملفات الـ بي دي إف (PDF)، لا سيما للقصص الإخبارية في الصحف / المجلات، والتقارير الحكومية / والمدونات المثيرة للاهتمام، وما إلى ذلك. إنه البحث والبحث والبحث. ولا زلت أقطع قصاصات من الصحف. وأنا أجد أن النسخ الورقية لمواد مطبوعة أسهل للمعالجة في مرحلة الكتابة، ومن ثم أغربل المادة لتلك المرحلة عندما أقوم بالكتابة. لقد أنشأت أرشيفي الخاص، مثل مجموعة مراجع/ مكتبة قصاصات الصحف – وأقضي دائماً ساعة في اليوم منكباً بين صحف بريطانية وأميركية متنوعة.
إنك تجمع دائماً مواد أكثر من ما سوف تستخدمه، ولكن تلك هي الطريقة التي يكون عليها هذا الأمر. احتفظ بها، فمن غير المكلف الحصول على مشغلات أقراص صلبة احتياطية. وسوف يكون لديك العمر بكامله لتستفيد منها.
كيف أثرت الأهمية المتزايدة للوسائط الرقمية والإنترنت (لا سيما عامل الفورية التي يشدّدون عليها) على نوعية وممارسة الصحافة الاستقصائية؟
هناك جانب إيجابي وجانب سلبي لذلك، فمن الناحية الفنية أحدثت الإنترنت ثورة في كل شيء، إذ يمكننا البحث عن المزيد من البيانات، والعثور على مواد غير معروفة، وتخزينها، وتحليلها، ومن ثم التواصل مع أشخاص من جميع أنحاء العالم قد يكونون قادرين على تقديم المساعدة. إن ذلك شيء رائع. ولكن لا يزال يتعين عليك أن تحدد ما هو السؤال الذي تريد إجابة عنه. لذا، فإن قضاء وقت في التفكير في قضية ما بحيث تفهمها بشكل صحيح لا يزال متطلباً مسبقاً لكافة التحقيقات الكبيرة. ما هي القصة التي نريد أن نرويها؟ والوقت يكلِّف مالاً.   
وهناك تكمن المشكلة، فالكثير من المؤسسات الإخبارية قد تخلت عن التحقيقات لعدم استطاعتها تحمّل تكاليفها. وتدرك بعض الصحف عالية الجودة حول العالم قيمة الصحافة الاستقصائية – لا سيما في الولايات المتحدة. والمشكلة هي أن الكثيرين جداً من محرري الأخبار/رؤساء التحرير لن يستثمروا فيها خشية أن لا تقود إلى قصة.  
لقد اعتدنا أن يكون لدينا مَثَل عندما كنت أعمل في صندي تايمز اللندنية في أواخر سبعينيات القرن العشرين، لا سيما عندما كنا نشعر بالإحباط ولا نتمكن من إقناع أحدهم بأن هذه قصة جيدة حقاً – "القصة لا تكون قصة ما لم تظهر في مكان آخر". وهذا ليس منصفاً نوعاً ما لأن الخطأ، أساساً، هو خطؤنا إذا لم نتمكن من إقناع رئيس التحرير، فنحن ببساطة لم نقم بما يكفي من العمل، ولم ننجز المطلوب.  
وقد يقول دون بيري الرائع، محرر المواضيع الرئيسية المدهش لدينا، "أخبرني، لماذا يجب علي أن أهتم بهذه القصة؟" إذا لم يكن بإمكانك جعله يهتم، فذلك عادة ما يكون بسبب أن القصة لن تحظى باهتمام لفترة طويلة.وقد تم منحي حرية لا حدود لها عندما كنت عضواً في فريق إنسايت (INSIGHT). ويكتب الكثير من المحررين العناوين الرئيسية قبل أن يتم إجراء البحث في القصة. 
لقد كنت محظوظاً لأنه كان لدينا عبقري مستنير متمثلاً في رئيس التحرير هارولد إيفانزالذي كان يثق بالمحررين والمراسلين العاملين لديه. لقد كنا نجوب العالم للحصول على القصة، وذلك لأنه في عصر ما قبل الإنترنت كانت اقتصاديات الصحف مختلفة، وكان لدينا مالك إنساني فخور حقاً بامتلاكه لصحيفة مثل صندي تايمز.
واليوم تعود ملكية الصحف إلى تكتلات تنظر إلى النتيجة المالية، ويتم تقليص الموازنات، وتقليل الدوائر، وتخفيض النفقات، والكثير جداً من ما يسمى التحقيقات ليست أكثر من عمليات خداعية يتم إيقاع بعض الأفراد التعساء في شِركِها من قِبل مراسلين سريين لفعل شيء أو قول شيء مع وجود كاميرا فيديو مخفية فوق رف أو داخل حقيبة.
بين الفينة والأخرى، وبشكل نادر جداً، يكشفون شيئاً جديراً بالاهتمام، ويصب في المصلحة العامة تماماً. وفي أغلب الأحيان، يُترَك في الحياة العامة شخص ما في حالة إحراج، وتطالب الصحيفة بعد ذلك أن تكون الحقوق العالمية حِكراً لها. لا أعتقد ذلك. هذه ليست هي الصحافة كما أفهمها.

هل قمتَ باستخدام الكثير من الأساليب القائمة على أساس قاعدة البيانات في تغطيتك الاستقصائية؟ إذا كانت الإجابة نعم، ما هي أنواع البيانات التي تستخدمها وكيف؟
عندما كنت أكتب عن المحتال ألان ستانفورد، وعن أنشطته مع بنكه في الخارج في أنتيجوا، وقد كان من الضروري قراءة تقارير شركته، الأمور المالية، لفهم كيف كانت هذه الشركات تعمل. كما كان يتعين علي الاطلاع على مجموعة من بيانات هيئة الأوراق المالية والصرف وصندوق النقد الدولي، وبذلك عرفتُ كيف كان السياق، على سبيل المثال، عندما مَنح قروضاً للحكومة الأنتيجوانية. لقد كانت مثقلة بشكل هائل بالديون له. وفي تحقيق في إساءة معاملة الأطفال، كان من المهم للغاية الاطلاع على تقارير حكومية وتقارير وكالات أخرى لدراسة أنماط السلوك، والعوائد السنوية المتأتية من التُهم الجنائية والملاحقات القضائية والإدانات، وما إلى ذلك.
لذا، تعتبر البيانات وقواعد البيانات جانباً هاماً من جوانب عملنا، فالناس يحتاجون إلى تطوير قاعدة مهاراتهم للتحقيق فيها بشكل سليم. ويجب عليك أن ترتدي قبعة التفكير وتكتشف ما هي الموارد المحتملة المتاحة لك. لا تخف من الاتصال بخبراء وطلب التوجيه والإرشاد منهم، فإذا كان الموضوع مهماً بالنسبة لهم، فإنهم غالباً ما يكونون سعداء جداً بالتحدث عن مجال خبرتهم. إنهم يعملون لوحدهم، الكثير منهم، - مثلنا تماماً، لذا فإنهم يستمتعون بالتحدث إلى مراسلين عن عملهم.   
تحدث عن نهجك المتبع في القصص الإخبارية. هل يوجد أي شيء غير عادي بشأن الطريقة التي تجري فيها بحثك أو تختار فيها مواضيعك؟  
أنا أستخدم طرقاً قديمة ومجربة ومُختبَرة لإجراء أبحاث عن القصص الإخبارية. اكتشف ما هي القصة، واحصل على كمِّ من المعرفة بحيث يمكنك أن تطرح أسئلة معقولة، ومن ثم اذهب وتحدث إلى الناس، إما خبراء أو أفراد في صميم قضية ما. ولكن لا يمكنك أن تطرح عليهم الأسئلة الأساسية – يجب عليك أن تجد الإجابات عن تلك الأشياء بنفسك، وأن تقوم بأداء عملك التحضيري، وإلا لن تؤخذ على محمل الجد.
وبالعودة بأفكاري إلى الماضي بشأن ذلك، فقد كنت منخرطاً بمواضيع كئيبة جداً على مدى سنوات – موت، ومجازر، وقتلة متعددو الجرائم، وحروب، وإساءة معاملة أطفال، ومرتزقة – وحتى الآن أعمل على قصة من أجل كتاب جديد هو جزء منمشروع الأضرار الجانبية عن التعذيب والتسليم بعد 11/9 والتابع للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. وقد عثرتُ بالصدفة على خطاب قديم لمدير مخابرات سابق قال فيه إنه كان هناك مركز تعذيب على نمط الجستابو في لندن خلال الحرب العالمية الثانية. وكان الناس يموتون أثناء الاستجواب، ولكنني لم أصدق ذلك في البداية. وقد استحوذت عليّ محاولة سبر أغوار ذلك الأمر. يجب عليك أن تصرِّح بأسماء الرجال المذنبين، وإلا سيكون ذلك مضيعة للوقت. كيف ولماذا يمكن لشيء من ذلك القبيل أن يحدث قبل 70 سنة عندما كان من المفترض أننا كنا نستأثر بمستوى عالٍ من الأخلاق في محاربة النازيين. حسناً، القضايا لم تتغيّر. لقد سمحنا بالتسليم الاستثنائي وبالإغراق الوهمي وبغير ذلك من أساليب التعذيب في الحرب على الإرهاب.

ما هي في رأيك بعض أهم الدروس التي تعلمتها على مر السنين؟
لا تنسَ عائلتك. في الواقع كانت القصة، في الثلاثينيات والأربعينيات من عمري، تبدو كل شيء بالنسبة لي، وكنتُ أمضي فترات طويلة جداً بعيداً عن الوطن، حيث كنت أسافر بحثاً عن الحقيقة. ولكن إذا كانت لك علاقات وأطفال، فيجب أن تخصص وقتاً لهم، وإن لم تفعل ذلك فيمكن لهذا أن يكلفك والأشخاص الذين تحبهم ثمناً باهظاً جداً. إنني مذنب بذلك وأشعر بندم أبدي.
ومن الناحية المهنية، يجب عليك أن تكون صادقاً تماماً مع نفسك. ففي بعض الأحيان تكون القصة غير موجودة – لذا لا يمكنك جعل رئيس التحرير يهتم بها. 
قم كذلك بالتمييز في علاقاتك بين العلاقات التي تكون شخصية، وتلك التي تكون علاقات عمل. قد تضطر للكتابة عن أشخاص تربطك بهم أساساً علاقة عمل، وحينئذ تخرج الصداقة من النافذة. لم أنضم أبداً إلى أي نوادٍ، مثل روتاري أو راوند تيبل – لئلا أضطر للكتابة عن عضو زميل. لا تخلط بين الأمرين، الشخصي والعمل، وكن متأكداً دائماً من أن الأشخاص يعرفون أنهم يتحدثون إلى صحفي. ولا تطلب مني الاحتفاظ بسر ما، فأنا أفضل أن لا أعرفه بحيث يمكنني أن أكتشفه بنفسي، ومن ثم أنشره إذا لزم الأمر. يمكن أن يخبرني أطفالي بأسرار، وسوف أحتفظ بها. وتلك التي لا أستطيع الاحتفاظ بها سوف تكون من – رجال أعمال، سياسيين، رجال شرطة، أشخاص في الحياة العامة. لذا، لا تخبرني بأي شيء لا تريد أن تراه مطبوعاً.  
لقد حذّر إتش. إل. مينكين من نوع الصحفيين المفضّل عند الأشخاص الذين لديهم أسرار، والذين يريدون منك إخضاع نفسك للرقابة: "يأتي المراسلون كصحفيين، ويكونون مدربين على الحصول على الأخبار، وحريصين على الحصول عليها. وينتهي الأمر بهم كرجال دولة ذوي نفوذ، ممتلئين بأسرار كئيبة وغير قادرين على كتابة الحقيقة لو حاولوا ذلك."
ما هي العناصر الرئيسية التي تجعل قصة استقصائية "تنجح" فعلاً؟ ما الذي يجب أن تتضمنه، وما الذي يجب أن لا تغفله؟
نعود إلى "لماذا يجب عليّ أن أهتم؟" يجب أن تكون هناك قضية مركزية بحاجة إلى أن يتم كشفها، وهو ما يستدعي اهتمامك كقارئ أو مُشاهد عندما نضعها أمامك.
سوف تقوم بين الفينة والأخرى بالكتابة عن أحد الأفراد – ولكن في الغالب تكون مؤسسات، شركات، حكومات – أشخاص ذوي نفوذ، قضايا تنطوي على العدالة والظلم. إنني لا أهتم بحياة الأشخاص الجنسية شريطة أن لا يكون لهم ممارسات جنسية مع أطفال. من ناحية أخرى، عندما يمارس رئيس صندوق النقد الدولي الجنس مع الخادمة المسؤولة عن غرف النوم في فندق بنيويورك، وتدّعي هي أنها تعرضت للاغتصاب، لا بد من إجراء تحقيق في القصة بشكل شامل. هل تم ذلك، على ضوء ما نعرفه الآن؟  
عندما ينجو ملياردير شاذ بولعه الجنسي بالأطفال بثمانية عشر شهراً في السجن بجرائم كفيلة بإيداعه في السجن لمدة عشرين سنة، عندئذ يجب التحقيق في ذلك. ويجب التحقيق في المساومة على الاستئناف والاتفاقيات الفدرالية للتنازل عن المقاضاة والتي تنظمها وزارة العدل. وغالباً ما يتضمن الإخفاق في إقامة العدالة أشخاصاً أثرياء وذوي نفوذ، ومحاميهم المرتبطين معهم سياسياً للتأكد من الإبقاء على الملاحقات القضائية في حدها الأدنى. لا تهدر وقتاً على أمور تافهة.
ما هو التهديد الوحيد الأكبر الذي يواجه التغطية الاستقصائية، وما هي النصيحة التي يمكنك أن تقدمها للآخرين؟
الشركات والحكومات وحتى المؤسسات العامة التي كانت في وقت من الأوقات معتدلة، تقوم الآن بتوظيف مجموعات من أشخاص مُكْلِفين جداً في العلاقات العامة في محاولة لتضليلك. وأحياناً يصبح أحدنا واحداً منهم، ويُدفع له بسخاء أثناء ذلك، وهو ما يحدث أحياناً عندما يصبح الصيادون المخالفون مراقبي صيد.
ذات مرة اتصل رئيس أحد أقسام الشرطة، الذي كان متورطاً بقضايا خطيرة بشأن التمييز ضد أفراد الشرطة النسائية، برئيس التحرير الذي أعمل لديه وأبلغه بأنني سبق وأن قمت بتقديم طلب لأصبح عضواً في قسم الشرطة ذاته. وقال: لأنه لم يتم اختياري، فإنني كنت أحمل ضغينة ولا يمكن الوثوق بي.  
ردّ عليه رئيس التحرير الذي أعمل لديه، روبن مورجان الذي لا يُقهر، "أعتقد بأنه يجب تهنئة السيد بيلتون لتبرعه بمساعدة مجتمعه المحلي من خلال تقديم خدمة عامة، وحقيقة أنك تعتقد أنه كان متحيزاً هو أمر مثير للغضب. وسوف أخبره الآن أن يضاعف جهوده ويكشف لماذا تحتفظ، بشكل سري، بمدفوعات كبيرة لأفراد سابقين من الشرطة النسائية. لقد افتريتَ عليه، وقد قمتُ بكتابة مذكرة بمحادثتنا. ليس لدي شك بأنك سوف تسمع من محاميه. أتمنى لك يوماً سعيداً". وفي وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم اتصل رئيس قسم الشرطة هاتفياً وقدَّم اعتذاراً فيه رياء مثير للاشمئزاز. الدرس المُستفاد من هذا كله: اعمل بجد لرؤساء تحرير رائعين، إنهم قلة ومتباعدون.
ما هي النصائح الأخرى التي يمكن أن تقدمها للمحققين الاستقصائيين الناشئين من الشباب؟
لا تقم بذلك إذا كنت تريد الشهرة والثروة. اعمل على تنمية شغف بموضوعك. تعلم أن تتقبل أنه طريق موحش من غير رفيق، ولكنه مُجزٍ. الحياة ليست شيئا يُعاد من جديد، لذا كن على يقين من أن طريقة الحياة هذه هي شيء أنت متحمس له، لأنها سوف تستنفد وقتك. قلة فقط من الزملاء سوف يعرفون العمل الجاد الذي يتعين عليك بذله على أي قصة، وذلك لأنهم سيضطرون إلى أن يسلكوا ذلك الطريق ذاته الذي يحتاج إلى مسير طويل.
تذكر أولئك الذين تحبهم، ولماذا تحبهم. امنحهم شيئاً ثميناً حقاً: وقتك، عندما تستطيع ذلك.
سوف تكوّن القليل من الصداقات أثناء ذلك وستدوم مدى الحياة كما كتب دبليو. إتش. أودين عن ذلك بتبصّر: "...إذا لم يكن من الممكن أن تكون هناك مودّة متماثلة، فلأكن أنا الشخص الأكثر محبة." من الممكن قراءتها وفهمها على عدة مستويات، وعندما تقوم أخيراً بالتوصل إلى معناها الحقيقي، سوف تعيش حياة حافلة جداً وتتعلم وضع الأنا الخاصة بك حيثما يجب أن تكون.

0 ارسل تعليقا

إرسال تعليق
Powered by Blogger | Big News Times Theme by Basnetg Templates

Latest News

>> <<

  • Recent Posts
  • Comments

    Blog Archive

    Followers

    محليات
    You are here : Home »

    Popular Posts