خلاف "الأمانة" مع شركة "تدوير" في الغباوي يعطل مصنعا بالملايين ويبقي المشكلة البيئية مكانها التمويل الأجنبي والتعثر قاسمان مشتركان لمشاريع فرز النفايات في عمان





البيان نيوز     - في حزيران (يونيو) 2010 أقيم احتفال بحديقة ضاحية الحسين في عمان، تمّ فيه وضع ثلاث حاويات مخصصة لفرز النفايات تبرّعت بها السفارة الهولندية للحديقة لتكون، وكما قالت سفيرة هولندا في كلمتها في الاحتفال، الحلقة الأولى في سلسلة مبادرات مشابهة تنوي السفارة تطبيقها في حدائق أخرى، وذلك لتعميم ثقافة تدوير النفايات في الأردن.
الحاويات التي خصصت إحداها للورق والثانية للمعادن والثالثة للبلاستيك، مزوّدة بأغطية تغلق بأقفال، وفتحات صغيرة تستقبل النفايات المفروزة، وأُلصقت على كل حاوية إرشادات تبين نوع النفايات التي خُصصت لها.
حسب الخطة، فإنه كان على أمانة عمّان الكبرى التي كانت شريكة في المشروع أن تقوم
بتفريغ هذه الحاويات وفق جدول زمني محدد، ولكن ما حدث كما روى مختار الضاحية حابس المجالي إلى "الغد"، هو أن الأقفال كُسرت بعد أيام من الاحتفال من قبل نابشي القمامة، وبدأ بعدها سكان المنطقة يتعاملون معها بوصفها حاويات عادية ويلقون فيها بكل أنواع النفايات.
هذه الحاويات تحوّلت، كما يقول المجالي، الذي يسكن مقابل الحديقة، إلى "مكرهة صحية" في المكان، فهي بسبب طبيعة تصميمها غير قابلة للتحميل بواسطة الكابسات العادية، وتحتاج بالتالي إلى كابسة خاصة، ومن هنا فإنها بما فيها من نفايات عضوية تبقى لفترة طويلة دون تفريغ.
والأمانة كما يؤكد المجالي "لا تأتي لتفريغها إلا عند الطلب، وهذا لا يتمّ مباشرة، وأحيانا تجرى اتصالات على مدى أسبوع كامل حتى تأتي الكابسة، وتكون الحاويات قد طفحت بالنفايات، وملأت رائحتها المكان".

حصّة الأردني من النفايات تضاعفت خلال ثلاثين عاماً
مشروع ضاحية الحسين كان واحداً من مشاريع فرز النفايات التي دخلت أمانة عمّان شريكة فيها مع جهات محلية وأجنبية، ولسوء حظّ المدينة كان "التعثّر" قاسماً مشتركاً بينها، رغم أن التصدي لمشاريع كهذه كان ترجمة لتأكيدات مسؤوليها حول أهمية تدوير النفايات كواحدة من أكثر القضايا إلحاحاً.
وفق تقرير "حالة البيئة" الذي صدر عن وزارة البيئة العام 2009، فإن مناطق عمان الكبرى تطرح 2000 طن يومياً من النفايات، وبحسب أرقام الأمانة أنفقت العام 2010 ما يقارب 26 مليون دينار كلفة التعامل مع النفايات، استعادت منها 16 مليون دينار على شكل رسوم، وخسرت بذلك 10 ملايين دينار تقريباً.
والأرقام ترتفع سنوياً، ليس فقط بسبب تزايد السكان، ولكن بسبب ارتفاع مستوى المعيشة وتغيّر أنماط الاستهلاك الذي يتجه نحو تبديد المزيد من الموارد.
فبحسب دراسة للمهندس سعد الله عايش، فإن كمية النفايات التي كان يطرحها الأردني العام 1979 كانت 0.43 كغم للفرد يومياً، في حين تكشف الأرقام الحالية أن حصة الفرد من النفايات وصلت إلى كيلو غرام تقريباً يوميّاً.
وتشكّل الكلفة المالية للتعاطي مع ملف النفايات في أي بلد جانباً واحداً فقط من المشكلة، فعدا عن أن نسبة كبيرة من النفايات هي مواد صالحة لإعادة الاستخدام وتهدر عوضاً عن ذلك في المكبّات، فإن الكميات الهائلة من النفايات المطروحة يومياً عبء على البيئة.
وفي الأردن بالتحديد يوجد فيه بحسب تقرير حالة البيئة 20 مكبّا للنفايات، وجميعها باستثناء مكبّ الغباوي لم يتمّ اختيار مواقعها وفق دراسات وأسس علمية، ولم تراعَ في تصميمها المواصفات العالمية للمكبات الصحية من حيث التبطين وطرق الطمر، ما يجعلها جميعها، كما يقول التقرير، خطراً على المياه الجوفية والتربة والهواء.
وفي وقت تطبّق فيه دول في العالم سياسات فاعلة في تدوير النفايات جعلت من دولة كاليابان مثلاً تصل إلى تدوير ما يعادل  80 % من نفاياتها، فإن بلداً فقير الموارد كالأردن، ما يزال كما يقول المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية المهندس أحمد الكوفحي، يعتمد تدوير النفايات فيه على مبادرات صغيرة من قبل منظمات مجتمع مدني، وبضع شركات ربحية خاصة، وجميع هؤلاء، كما يؤكد الكوفحي، لا تزيد مساهمتهم في تدوير النفايات على 5 % من مجموعها الكلّي.
 اشتباك قانوني مع شركة "تدوير"
المشروع الأول للأمانة كان بالشراكة مع شركة "تدوير"، ويقضي  بإقامة منشأة في منطقة مكبّ الغباوي تتولى فرز النفايات، وتقوم بتوريد المواد القابلة للتدوير إلى مصانع محلية وإلى الخارج، وقد وقّعت الأمانة مع هذه الشركة عقدا صادق عليه مجلس الوزراء في حزيران (يونيو) 2006.
وفق بنود العقد الذي كان على نظام الـB.O.T، أي أن ملكيته بعد انتهاء العقد كانت ستؤول إلى أمانة عمان، التزمت الأمانة بتقديم قطعة أرض مستوية مقابل المكبّ للشركة، وتوريد 600 طن من النفايات لها.
في حين التزمت الشركة وفق العقد بإقامة المنشأة التي تتولى عملية الفرز، وبتقديم 50 % من مبيعاتها لخزينة الدولة، و5 % خلال السنوات الثلاث الأولى إلى أمانة عمان، ترتفع إلى 10 % خلال ما تبقى من مدّة العقد البالغة 15 سنة قابلة للتجديد.
الشركة أقامت المنشأة، وطلبت من الأمانة توريد الدفعة الأولى من النفايات لها، ولكن الأمانة وبدلاً من توريد النفايات لها وجّهت إليها إنذاراً عدليّاً، طالبتها فيه بإزالة المنشأة، وإعادة الأرض فارغة إليها خلال ثلاثة أيام.
وبحسب المدير التنفيذي للبيئة والنظافة في أمانة عمان المهندس زيدون النسور فإن السبب هو أن الشركة "تأخرت في بدء التشغيل عن الموعد المتفق عليه، ومن هنا نشب الخلاف معها، والقضية الآن أمام لجنة تحكيم والمفاوضات ما تزال جارية".
الشركة وفق الأمانة تأخرت ثلاثة أشهر، رغم أن وثائق رسمية كانت "الغد" قد اطلّعت عليها في إطار تقرير نشر عن القضية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، أثبتت أن الأمانة نفسها كانت قد "ماطلت" سنتين تقريباً قبل أن تسلّم الشركة قطعة الأرض المتفق عليها.
ومع ذلك فإن مصدراً مطلّعاً على المشروع أكّد إلى "الغد" أن الشركة التزمت بالمدة التعاقدية التي نصّت على بدء التشغيل خلال فترة من 14 إلى 18 شهراً من استلام الأرض.
المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لأن القضية معروضة على التحكيم، استغرب مطالبة الأمانة للشركة بإزالة منشأة "كلّفت الملايين، كانت ستدعم خزينة الدولة وأمانة عمّان، وتخفف العبء على البيئة وعلى المكب ما سيطيل من عمره". وقال إن الأمانة كان بإمكانها السماح للشركة بالعمل أثناء سير إجراءات التحكيم المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، والمطالبة بعد ذلك ببدل "عطل وضرر" في حال صدر الحكم لصالحها.
يذكر أن المنشأة المذكورة كانت ستوفر وفق المخطط ما لا يقل عن 200 فرصة عمل في المكبّ الذي عانى لسنوات من مشكلة نابشي القمامة الذين كانوا كما يقول النسور يتسللون إليه، ويعرّضون أنفسهم للخطر من خلال التعامل المباشر مع النفايات، ومن التجوال غير الحذر بين الآليات، إضافة إلى قيام الكثير منهم بسرقة موجودات في المكبّ ومنها الكيبلات.
وفق النسور فإن بعض هؤلاء كانوا يقومون بأعمال انتقامية منها إشعال الحرائق، عندما كان يتم منعهم من الدخول، وأن هذه المشاكل لم تنته إلا منذ سنة ونصف السنة، عندما تمّ تخصيص مفرزة أمنية ثابتة في الموقع.
المشروع الثاني: عندما انضمت الحاويات "صديقة البيئة" إلى أخواتها غير الصديقات في عنوان الخبر "أمانة عمان الكبرى تقدّم التدوير في عمّان"، وفي الصورة التي تصدّرته مجموعة من الحاويات الأنيقة مليئة بعبوات المياه المعدنية البلاستيكية.
الخبر المنشور بتاريخ 8 أيلول (سبتمبر) 2008 في موقع (green prophet) وهو موقع متخصص بأخبار وقضايا البيئة في الشرق الأوسط، يقول إن الأمانة بدأت المرحلة الأولى من مشروع لفرز النفايات بهدف إعادة تدويرها، والذي يتم في إطاره توزيع 1000 حاوية مخصصة لهذا الغرض، وان المزيد من الحاويات سيتم توزيعه إذا أثبتت هذه الخطوة نجاحها.
لكن سيدة علّقت في أيلول (سبتمبر) 2010 على الخبر وقالت إنها تسكن في عمان، مهتمة بالمشروع،  ولم تر أيّا من هذه الحاويات. وبعدها بأشهر علّق شخص آخر من سكان عمان، وطلب من القراء أن يدلّوه على حاويات لفرز النفايات.
لقد كان هذا هو مشروع فرز النفايات الثاني لأمانة عمان، التي استوردت الأمانة من أجله 2500 حاوية بلاستيكية مخصصة لفرز النفايات ولكنها ببساطة لم تنفذ المشروع.
مسؤولو الأمانة كانوا قد بدأوا يروجون للمشروع إعلاميّاً في آب (أغسطس) 2008، عندما أعلنوا أن الأمانة طرحت عطاء لشراء 2500 حاوية بلاستيكية ملونة مخصصة لفرز النفايات، وكانت الفكرة كما أعلنوا هي توزيع ألف حاوية في المرحلة الأولى على مناطق بدر، زهران ووادي السير، تترافق مع ذلك حملات توعية للمواطنين. استمرت التصريحات المتعلقة بالمشروع في الصحف إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2008، عندما أعلنت الأمانة أنها ستتسلم الحاويات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وطلبت من المواطنين "التعاون معها في هذا المشروع البيئي الهادف".
بعد هذا التاريخ لم يعد أحد في الأمانة يأتي على ذكر مشروع فرز النفايات، إلى أن أعلنت الأمانة في شهر تموز (يوليو) 2009 أنها طرحت حاويات بلاستيكية بدلاً من المعدنية بهدف "تحسين خدمات النظافة في المدينة".
ونقلت تغطيات صحفية لإحدى جلسات مجلس الأمانة في ذلك الشهر نقاشاً حاداً بين أحد أعضاء المجلس وأمين عمان السابق عمر المعاني، ففي حين اعتبر العضو أن شراء الحاويات البلاستيكية كان خطأ لأن قدرتها على التحمل وعمرها الافتراضي أقل من الحاويات المعدنية، أصرّ المعاني على أنها أفضل لأنها أرخص ثمناً. إذن فإن ما فعلته الأمانة، ودون أن تعلن عن ذلك مباشرة، هو أنها أنزلت الحاويات المخصصة للفرز للخدمة كحاويات عادية، وهو ما يؤكد رئيس قسم الدراسات والتخطيط البيئي في أمانة عمان المهندس عمّار أبو ضريس أنه حدث.
وفق أبو ضريس فإن المشروع لم ينفذ وقتها لأنه لم يكن مستندا إلى برنامج "متكامل"، فإدارة مشروع لفرز النفايات من المصدر يحتاج إلى أكثر من شراء حاويات، إنه يحتاج أيضا إلى "تحديد الأماكن المناسبة لوضع الحاويات، وآلية لحمايتها من نابشي القمامة، وجدول زمني لجمعها، وتحديد المكان الذي سترسل إليه وكيفية التعامل معها". إضافة إلى كل هذا فإن توزيع هذه الحاويات على مناطق متباعدة، وتخصيص آليات خاصة لجمعها كان سيرتّب كما يقول أبو ضريس "كلفاً عالية جداًّ" على الأمانة.
مشروع ماركا .. بين روايتيّ الأمانة والسكان
هذا هو مشروع فرز النفايات الثالث الذي دخلت الأمانة شريكة فيه. المشروع "التجريبي" الذي من المقرر وفق وثائقه أن يتم تعميمه على مناطق أخرى، طُبِق في إطار اتفاقية بين جهات ألمانية، ووزارة البيئة وأمانة عمان التي تتولى الجانب التنفيذي.
انطلق المشروع في إسكان ماركا على طريق الحزام الدائري، في نيسان (أبريل) 2009 وكانت فكرته  تشجيع سكان الموقع الذي يضمّ 708 شقق يسكنها 3500 شخص، إضافة إلى معسكر للدرك وثلاث مدارس، على تسليم نفاياتهم مفروزة.
تمّ توزيع 12 حاوية مخصصة للفرز في المنطقة، وبدأ توزيع أكياس ملونة على السكان كي يضعوا فيها نفاياتهم المفروزة، لتوريدها من ثمّ إلى جمعية البيئة الأردنية التي تعمل منذ منتصف التسعينيات على مشروع لإعادة التدوير. وفق الوثائق فقد استمر المشروع تسعة أشهر، تمّ خلالها جمع خمسة أطنان من النفايات، وهو بحسب مسؤولي الأمانة مستمر إلى هذه اللحظة، إذ تحوّل من "مشروع إلى برنامج"، كما أكّدت في لقاء مع "الغد" مسؤولة المشروع في الموقع حنان الكردي.
الكردي التي عملت مع المشروع منذ يومه الأول شرحت الآلية التي سار و "ما يزال يسير بها" وهي كالتالي: أيام السبت والاثنين محاضرات توعية بيئية للسكان، الأحد والثلاثاء توزيع الأكياس عليهم بواقع كيسين لكل شقة، ويوم الخميس مخصص لجمع الأكياس المفروزة.
وفق الكردي فإن نشاط المشروع يغطي الآن 90 % منه، وأن السكان بما لا يقل عن 70 % يتعاونون بشكل ممتاز، رغم أنه "في البداية لم يكن هناك تجاوب ومن بين المئتي كيس التي كنت أوزعها أسبوعيا، كان يعود 40 كيساً فقط، الآن يعود منها 120 كيساً مفروزة بشكل ممتاز".
ولكن الكردي أشارت إلى مشكلة تواجه المشروع منذ أكثر من شهرين وهي تعطّل الكابسة المخصصة للنقل، مؤكدة أن عملية الجمع تسير مع ذلك بانتظام كل خميس، إذ تتم الاستعانة كما تقول بقلاّب "كي لا تذهب النفايات هدراً".
لاختبار الصورة "المثالية" التي تمّ تقديمها عن المشروع، عادت "الغد" إلى الإسكان في اليوم المخصص لجمع الأكياس، وما بين الساعة التاسعة صباحا والواحدة ظهراً لم يكن هناك أثر لأي أكياس أو لعملية جمع، وعندما سئلت الكردي عن ذلك، أجابت أنهم لم يوزعوا أكياسا هذا الأسبوع بسبب تعطّل الكابسة.
وعلى عكس اللقاء السابق مع "الغد" الذي تمّ التأكيد فيه على انتظام عملية الجمع رغم تعطّل الكابسة، قالت الكردي إنه كان هناك عدّة انقطاعات خلال الشهرين الماضيين عن عملية الجمع بسبب عطل الكابسة.
في المقابل كان السكان في المنطقة يقدمون رواية مختلفة عن الذي يجري فعلاً على الأرض. "الغد" التقت أثناء تجوّلها في الإسكان عدداً كبيراً من ربّات البيوت، نفين جميعهن صفة "الانتظام" عن المشروع، سواء في بدايته أو في الوقت الحاضر.
ومن هؤلاء ليلى حمادة (60 عاماً) التي قالت إنهم "وزّعوا مرتين أكياسا قبل سنتين ولم يعد أحد لاستلامها فرميناها في الحاوية".  ومثلها فاطمة محمود (أم جهاد 51 عاماً) التي تقيم في المنطقة منذ 30 عاماً قالت إنها "بداية المشروع استلمت بضع مرات، ثم عادوا قبل شهرين ووزعوا لمرة واحدة".
صاحب سوبر ماركت في المنطقة تحفّظ على ذكر اسمه كانت تجربته في منزله مطابقة لرواية السيدات، إضافة إلى أنه كصاحب سوبر ماركت تمّ إشراكه في المشروع، عندما وُضعت اثنتان من الحاويات المخصصة للفرز أمام محّله.
ولم تكن هذه تجربة سارة بالنسبة إليه كما قال ففي "هذه المنطقة لا يوجد حاوية قريبة، لهذا بدأ السكان يستخدمون الحاويتين للنفايات غير المفروزة طبعاً، وخلال أيام تحوّلت واجهة محلّي إلى مكبّ لنفايات الحارة".
وقد جاءه الخلاص أخيرا بعد سنة تقريبا من وضع الحاويتين، إذ تسبب "ما يبدو أنه عبث أطفال" كما يقول في إحراق الحاويتين "اتصلت بالأمانة فجاءت وأخذتهما وهذه كانت النهاية".
من ناحيتها تؤكد خديجة الظاهر، عضو مجلس محلي المنطقة، والتي تقيم في الإسكان منذ 12 عاماً، جميع ما رواه السكان.
الظاهر كانت من الذين تحمّسوا للمشروع وتابعوه كما تقول منذ اليوم الأول، ليس فقط من ناحية تسليم نفايات منزلها مفروزة، بل ومن خلال حشد الجهود في المجتمع المحلي لإنجاحه "بداية المشروع طلب منّا مسؤولون في الأمانة أن نساعدهم في التنسيق مع ربّات البيوت، فشكّلنا مجموعة من 15 سيدة تقريباً وكنّا نقوم بالتنسيق وتشجيع النساء على الالتزام  بالفرز".
وبحسب الظاهر فإن انتظام الأمانة لم يتعد أول ثلاثة أشهر من المشروع "بعدها لم يعد هناك انتظام في تسليم الأكياس ولا في استلام النفايات الذي صار يتمّ بناء على اتصالات متكررة مع الأمانة، التي كانت أحيانا كثيرة تطلب منّا أن نضعها بجانب الحاويات، وهذا كان يعني ضياع كل تعب الفرز". هذا كما تقول الظاهر خلق حالة من الإحباط لدى من تحمّسوا للمشروع ولم يعودوا يلتزمون بعملية الفرز، وتنفي الظاهر هنا أن يكون المشروع مستمرا في الوقت الحاضر بشكل حقيقي "عدا أنني تابعته من اليوم الأول، فأنا عضو مجلس محلّي، ألتقي بالجميع خلال الاجتماعات، ونثير مختلف القضايا التي تهمّ المنطقة، ولو كان هذا المشروع مستمراً بشكل حقيقي لأثير في الاجتماعات أو على الأقل لوصل خبره".
من ناحيته قال الكوفحي مدير جمعية البيئة التي من المفترض أن تستقبل نفايات المشروع ان تعاون الجمعية مع الأمانة في هذا المشروع كان تجربة سيئة "لم يكن هناك التزام من قبل الأمانة بمتابعة عملية الفرز في الموقع، وكانت تصلنا أكياس الورق مخلوطة بالنفايات العضوية وهذا يعني أنه لا إمكانية لتدويرها".
من بين جميع من التقتهم "الغد" في المنطقة فإن الجهة الوحيدة التي تحدّثت عن التزام باستلام النفايات كانت مديرة مدرسة أنيسة بنت كعب، حليمة العابد، وهي مدرسة تمّ وضع حاويتين خاصتين بالمشروع فيها.
العابد أكّدت أن الأمانة كانت ملتزمة باستلام النفايات كل خميس كما هو مقرر، ولكنها مع ذلك عتبت بشدة على الأمانة التي وعدت، ومنذ بداية المشروع بمكافأة المدرسة في حال التزامها ولم تفِ كما تقول بالوعود "كيف يمكن أن تضمن مواصلة مساهمة الطالبات في عملية الفرز إذا لم تقدّم لهن مكافأة تحفزهن على ذلك؟" وفق العابد فإن كل ما ظلّت تطالب به على امتداد سنتين هو "مظلّة للساحة تحمي التلميذات من الشمس الحارقة عند خروجهن في الفرصة، وبضعة مقاعد ليجلسن عليها عندما يتناولن الإفطار، ولكن كل ما كانت تعطينا إياه الأمانة هو أكياس النفايات".
هذا ويعدّ استخدام أكياس بلاستيك تستخدم لمرة واحدة كأداة لجمع النفايات في إطار مشروع بيئي كهذا أمراً مثيراً للجدل، ورغم أن أبو ضريس أكّد أن الأمانة تشترط أن تكون الأكياس من بلاستيك قابل للتدوير، وأنها كانت الوسيلة الأكثر عملية في منطقة يكثر فيها نابشو القمامة، ولكن وثائق المشروع تنوّه إلى أن هذه الأكياس تستخدم في إطار هذا المشروع فقط كأدوات "مؤقتة" بسبب عدم توفر عدد كافٍ من الحاويات المخصصة للفرز.
الأكياس التي حصلت "الغد" على عينة منها، يزن الواحد منها 60 غراما وبحسب الكردي يتم توزيع 200 كيس أسبوعيّاً، وهذا يعني أنه خلال مدة المشروع الذي نفّذ حسب وثائقه 36 جولة أسبوعية، تم توزيع أكياس يبلغ مجموع وزنها 432 كغم من البلاستيك. وإذا كان المشروع استمر دون انقطاع إلى الآن فهذا يعني نظريّاً أنه تمّ توزيع قرابة طنّ من البلاستيك لجمع النفايات.
أم أذينة ... نحو بناء ثقافة الفرز
المشروع الرابع للأمانة كان في ضاحية الحسين الذي سبق ذكره، أما مشروعها الخامس، فهو الذي بدأ تنفيذه خلال أيلول (سبتمبر) الحالي في حيّ أم أذينة، ويمثّل المرحلة الثانية من مشروع ماركا التجريبي، وينفّذ مع نفس الجهات الألمانية الداعمة التي وسّعت نشاطها ليشمل مع أمانة عمان بلدية مادبا وسلطتي العقبة والبتراء.
ليس هناك أكياس هذه المرّة، فالألمان تبرعوا بـ800 حاوية بلاستيكية تمّ توزيعها في حي أم أذينة، وللمشروع كما يقول أبو ضريس الذي يشرف على تنفيذه، هدف مزدوج هو إدخال نظام فرز النفايات في العاصمة، إضافة إلى تحسين نظام استخدام الحاويات البلاستيكية المستخدمة لجمع النفايات.
بحسب أبو ضريس فقد تم إجراء بعض التعديلات على التجربة للتسهيل على المواطنين، وبدلاً من تكليف الناس بفرز الورق والبلاستيك والمعدن كل صنف على حدة، تمّ تطبيق "نظام الجاف والرطب"، حيث سيقوم المواطنون بوضع النفايات العضوية في حاوية، وما تبقى من مواد جافة في حاوية أخرى.
بعد شهر من التطبيق، اتفق جميع من التقتهم "الغد" من سكان الحيّ على التزام الأمانة بتفريغ الحاويات وفق الجدول الزمني المقرر وهو يوما السبت والأربعاء ولكنهم اختلفوا في تقدير مدى التزام السكان أنفسهم بعملية الفرز، ففي حين أكّد يحيى المصري أن هناك  التزام بشكل عام بالفرز، نفت سيدة ذلك، وقالت إن من يتولّون في العادة مهمة رمي النفايات هم الخدم، وهم بحسبها يرمونها كيفما اتفق.
السيدة التي فضّلت عدم ذكر اسمها اعترفت أنها شخصيا لا تقوم بالفرز في منزلها، وقالت إنه لا فائدة من ذلك لأن من يستخدم الحاويات ليس فقط السكان بل المارّة الذين يلقون علب المياه الغازية والعصائر ببقاياها في الحاويات.
ولاحظت "الغد" أثناء جولتها في المنطقة أن قاع وجدران الأغلبية الساحقة من الحاويات المخصصة للمواد الجافة ملطّخة بالسوائل القذرة التي تنتج عادة من النفايات الرطبة.
في مشروعها في أم أذينة يؤكد أبو ضريس أن الأمانة سوف تستفيد من تجربتها في إسكان ماركا وسوف تقوم بمعالجة المشاكل التي شابت مشروعها هناك.
لكن الكوفحي يشكك من جهته في فعالية أي مشروع لفرز النفايات في الأردن، حيث لا يوجد قانون للنفايات يقدّم كما يقول حوافز للناس، فهذا وحده كما يشدد "ما يجعل الناس داعمين حقيقيين لأي سياسة وطنية لفرز وتدوير النفايات".  وينوّه الكوفحي إلى أن بلداً مثل تونس استطاع أن يشكّل تجربة رائدة في مجال تدوير النفايات عندما أقرّت الحكومة قانونا قدّمت بموجبه إعفاءات ضريبية للملتزمين بالفرز.
يذكر أن مشروع قانون خاصا بالنفايات أعدّ في عهد وزير البيئة الاسبق حازم ملحس، ورفع أواخر العام الماضي إلى رئاسة الوزراء ولكن الرئاسة ردّته.

0 ارسل تعليقا

إرسال تعليق
Powered by Blogger | Big News Times Theme by Basnetg Templates

Latest News

>> <<

  • Recent Posts
  • Comments

    Blog Archive

    Followers

    محليات
    You are here : Home »

    Popular Posts